رأيته أمام معهد جوتة في وسط المدينة ... عصر يوم السبت وانا في طريقي إلى المنزل وعندما لاحظت انه لا يكف عن الضحك بصوت عالي نظرت امامه ولم اجد احدا يكلمه لذا اجتاحتني على الفور فكرة انه مجنون ... اعترف باني اخشى المجانين والعقلاء على حد السواء في مدينتي التي يلفها الخوف. اسرعت بالعبور إلى الجهة الاخرى من الطريق حتى لا امر امامه واسرعت الخطى واصوات ضحكاته تتردد في اذني وداخل رأسي . كان في اوائل الاربعينيات من العمر ويرتدي بنطلونا رماديا وقيمصا ابيض اللون ويقف بعيدا عن حارس المعهد الشاب الذي يقابلك بابتسامة لطيفة. من كانوا معنا في الشارع في هذا اليوم لم يبد عليهم الاستغراب من الضحكات المتواصلة لهذا الرجل وفهمت من هذا انه يقف هنا منذ وقت طويل وانهم اعتادوه. وكلما ابتعدت عنه كلما ازداد شعوري بالخجل من نفسي لانني خفت من هذا المسكين ...
انتهى يومي ولم استطع التوقف عن التفكير في هذا الضاحك دائما ودون انقطاع.. بعد الحادث بيومين مررت من امام المعهد للمرة الثانية وإذا بي أجد صديقي الذي كان يقهقه بأصوات عالية منذ يومين يرقد على جانبه في نفس المكان الذي شهد ضحكاته المتواصلة وعلى وجهه ابتسامة حزينة وعينيه مغمضتين. قررت ان اقف بعض الوقت لارى مصيره رأيت حارس المعهد الالماني يخرج من أمام مكتبه ويتفقد الرجل النائم في صمت يحاول تحريكه ثم يقول بصوت سمعته "لا حول ولا قوة إلا بالله الراجل بينو مات" لم أستطع مغالبة دموع لم أنجح مثله أن أخفيها بابتسامة ...
بعدما مشيت لعدة خطوات واجتمع الناس حول الرجل الضاحك الذي أثار مخاوفي من يومين بالضبط بضحكاته المتواصلة سمعت أصوات سيارة شرطة ولكنني خمنت ان المدينة الصاخبة لن تمن على "المجنون" حتى بعد مماته وأن هذه السيارة من المؤكد أنها في طريقها للمشاركة في تشريفة ما أو لصد مظاهرة خطيرة كما تأكدت ان الرجل سيظل راقدا على جانبه الايمن أمام معهد جوتة والابتسامة الحزينة ترسم ملامحه المصرية
No comments:
Post a Comment