Friday, May 27

صباع الميت


يتابع ضربات قلبه باهتمام.. دقة ثم دقة أخرى تتبعها ثالثة وتتدفق الدقات دون توقف.. يريد أن يعي لحظة توقف الدقات


حدث بالفعل.. وتوقفت دقات القلب.. لكن لم يكن الأمر بالسوء الذي توقعه.. الله! صوت عبد الباسط عبد الصمد أجمل من أي مرة سمعها فيه في حياته.. الغسل استحمام جميل جعله يتلذذ المياه والصابون.. علامات الحزن على وجوه أهله هي الشيء السخيف فقط في الموضوع.. تساءل هل يبكونني أم يبكون حالهم بعدي؟


من كفنوه كانوا رحماء ولم يحكموا لف الكفن حول جسده.. إجراءات الدفن كانت سريعة .. وكان هذا هو السبب فيما حدث


خطأ في الدفن جعله حائرا .. دفن بالكامل تحت الأرض لكن الإصبع الكبير في قدمه اليمنى ظل فوق الأرض.. حيا


لم ينتبه أحد للخطأ وانصرف الجميع لأشغالهم.. الهدوء جميل وجميل أن ترى حقيقة إيمانك.. فبعضنا يخدع بدرجة إيمانه حتى وهو بالكامل على سطح الأرض


مرت الأيام وبدأ الملل يتسرب إليه..


وفي يوم من الأيام جاء صبية للعب الكرة في منطقة المقابر .. عندما يلعب الأطفال في الشارع يلعبون بحماسة منتخبات ألمانيا والأرجنتين وإيطاليا في كأس العالم.. حتى وإن كانت الكرة "شراب"


سارت المباراة على ما يرام وأراد فريق الزحاليق أن يحرز هدفا غاليا في مرمى فريق البروتات .. سدد صبي من فريق الزحاليق كرة قوية.. أحرزت الكرة الهدف لكنها اصطدمت قبل هذا بالإصبع الكبير لصديقنا المتوفي


شعر لأول مرة منذ فترة طويلة بالألم وتأوه .. اهتزت الأرض بعض الشيء من ردة فعله بعد التسديدة لكن أحدا لم يشعر فالمكان لا يوجد فيه سوى أموات بالكامل أو صبية يلعبون الكرة.. وما أدراك ما الكرة


أصيب الإصبع بجزع أو ربما كسر


وبعد انصراف الصبية وهدوء المكان.. ظل صديقنا المتوفي يهز إصبعه من حين لآخر ليحس بالألم


أصبح يتلذذ الألم من الجزء الوحيد في جسده الذي مازال على قيد الحياة... يدعو الله كثيرا ألا يشفى من الألم أبدا.. يدعو الله ألا يأتي أحد ذات يوم ويهيل التراب على إصبعه الكبير المطل على العالم.. فيموت هو الآخر

No comments: