Tuesday, July 8

ولد وبنت



أحمد في الصف الثالث الاعدادي "يعني شهادة" كما تؤكد له والدته كلما رأته. رغم صعوبات الحياة استطاع والده الذي ينتمي لطبقة كانوا يسمونها قديما بالمتوسطة أن يشتري له جهاز موبايل خاص به فقط ليصبح مثل أقرانه في المدرسة. مدرسة أحمد كانت بجوار مدرسة مريم. وعندما انتقل أحمد إلى مدرسته الاعدادية وبعد تسلل علامات الرجولة إلى وجهه وصوته قرر الطالب المجتهد أن ينهي كل علاقاته العاطفية في المدرسة الابتدائية والحضانة وأن يبدأ صفحة جديدة في المرحلة الاعدادية في انتظار الحب الحقيقي. شاهد مريم أول مرة بعد انتهاء يوم دراسي عادي جدا فقد خرجت لتوها من باب المدرسة الاعدادية للبنات وكان هو قد تصادف أن يكون وحده في ذلك اليوم بعد انصراف أصدقائه للعب الكرة التي لا يحبها كثيرا.

وقف الاثنان على محطة الاتوبيس ورآها كما لم يرها أحد من قبل. لم تكن ذات جمال صارخ كما أن ملامح أنوثتها الوليدة لم تكن قد وجدت طريقها إلى النور بشكل كامل. كانت عادية. لم يتذكر جيدا ماذا فعل في هذا اليوم وكيف تعرفا على بعضهما البعض وكيف تسلل رقم تليفونها المحمول إلى ذاكرة تليفونه وكيف تحول الاعجاب إلى شغف وحب "كبير" كما اعتاد أن يصفه للجميع فيما بعد.

لعب التليفون المحمول دوره الساحر في تطوير علاقة القلبين الصغيرين ببعضهما البعض. ومع ظهور علامات الرجولة على سماته أراد أن يشعر بالمسؤولية عنها فكان يطلب منها فقط أن "ترن عليه" قبل وبعد كل حصة في اليوم الدراسي للاطمئنان عليها. أما الفسحة فلابد فيها من مكالمة تطول أو تقصر حسب رصيد الحبيب الولهان الذي يشحن تليفونيه على أساس الاموال التي ينجح في توفيرها من مصروفه الشهري.

وفي حصص الالعاب كان الامر يتطور قليلا فكان يقف هو على أكتاف صديقيه الحميمين هاني ووليد ويعتلي سور مدرسة البنات ويراها وسط أقرناها لكنه يكتفي بالنظر إليها ولا يكلمها خوفا على سمعتها. وبعد اليوم الدراسي اعتاد أن ينتظرها ويمسك يدها عندما يراها وحتى يوصلها إلى بيت أبيها ليعود هو إلى المحطة وينتظر الاتوبيس الذي يوصله منزله. أحب الشعور بالمسؤولية تجاهها وأحبت هي أن أحدا يوصلها كل يوم إلى منزلها.

ومع اقتراب امتحانات الفصل الدراسي الثاني لا يذهب الكثير من التلاميذ إلى المدارس ويمكثون في منازلهم على أمل اقتناص الايام المتبقية لانقاذ ما يمكن إنقاذه. هي في الصف الاول الاعدادي فلم تأبه كثيرا بالمذاكرة أما هو ففي "الشهادة" فكانت هي التي تتصل كثيرا ولا يستطيع بالطبع ألا يرد فلربما تريد منه أي خدمة أو تكون في ورطة أو مشكلة فيسارع بإنقاذها كما يحب أن يفعل.

دخل شقيق أحمد عليه في أحد الايام وهويتحدث معها في التليفون فاغتاظ ونهره وذكره باقتراب موعد الامتحانات. وأسهب احمد في لفت نظر شقيقه إلى أن مريم ليست كقصصه السابقة وأنه الان "راجل" مسؤول ويمكنه أن يحب ويذاكر في نفس الوقت. وعندما لم يتفهم الشقيق الاكبر "لعب العيال" كما اعتاد أن يقول قرر أحمد أن يستعيض بهاني ووليد عن شقيقه وقرر ألا يحكي له أي شيء عن علاقته بمريم لانه ببساطة لن يفهم. أما هاني ووليد فكلاهما تربطه علاقة مماثلة إما بمدرسة في الفصل أو ببنت الجيران فأكيد سيفهمان ما يشعر به.

نجح أحمد في الاعدادية والتحق بالمدرسة الثانوية ولم يعد يذهب لمدرسته الاعدادية ولم يعد يرى مريم بعد ذلك. وشيئا فشيئا اكتشف وسط الحياة الجديدة التي دخلها في الثانوي أن رقم تليفونها المحمول لم يعد مخزنا في ذاكرة التليفون الجديد الاحدث الذي اشتراه له أباه بمناسبة حصوله على الاعدادية كما أنه جاهد كثيرا ليتذكر ملامح مريم على وجه التحديد لكنه فشل.


No comments: